5- يجب أن يكون الهدف محدداً واضحاً، لا غموض فيه ولا لبس ؛ لأن عدم تحديد الهدف أو عدم وضوحه يجعل الإنسان غير قادر على الوصول إلى ما يريد أو عدم معرفة ما يريد فمثلاً من يريد أن يتخرج من الجامعة لكنه لم يحدد أي تخصص يريد، ولا في أي جامعة ، ولا متى سيكون ذلك، فيكون هدفه غير محدد ويصعب عليه الوصل إليه.
وكمن يريد إيجاد بديل لعمله الوظيفي إذا تقاعد ويقف عند هذا فقط، أو يريد السفر فقط دون أن يحدد وجهته أو طبيعة العمل الذي يسعى لتحقيقه في سفره.
إذاً فلا بد من وضوح الهدف وتحديده بدقة حتى لا يختلط بغيره ويتعذر تحقيقه والسعي له.
ومن وضوح الهدف أن يكون إيجابياً لا سلبياً، أي أن تحدد ما تريده بوضوح، إذ إنّ من الأخطاء التي تقع فيها كثير من الناس عند سؤاله عن هدفه أنه يذكر لك ما لا يريده، أماّّ ما يريده فهو غير واضح في ذهنه أو لم يفكر فيه أصلاً.
ومن وضوح الهدف أن تتخيل أكبر قدر ممكن من تفاصيله كأنه منجز متحقق حاصل بين يديك.
6- من شروط تحقق الأهداف وضع خطة عملية للوصول إليها، فالهدف مهما كان عظيماً وممكناً ومشروعاً ومحدداً ما لم يبين سبيل الوصول إليه يبقى أفكاراً وآمالاً فقط، أما تحققه في الواقع فلا بد له من خطة توصل إليه.
وهذا هو مفترق الطريق بين الجادين والهازلين في الحياة أن الهدف عند أهل الجد والعزائم بمجرد أن يتحدد يتبعه التفكير والإعداد لكيفية تحقيقه والوصول إليه وما هو مدى البعد والقرب منه، وما هي العوائق الموجودة في الطريق أو التي يتوقع حصولها ؟ ، وكيف يُمكن تجاوز هذه العوائق والتغلب عليها.
أمَّا أهل التسويق والبطالة فما أكثر الأهداف الخيالية عندهم التي لا يخطون خطوة واحدة في سبيل تحقيقها.
فمن يضع له هدفاً مثلاً أن يوجد له منزلاً سكنياً خلال سنتين فلا بد له من وضع خطة للوصول إلى هذا الهدف تشتمل على توفير المبالغ المالية والبحث عن الأرض المناسبة ووضع التصاميم الهندسية اللازمة والتعاقد مع المقاول وشراء الاحتياجات ورسم جميع هذه الخطوات بالدقة والتفصيل.
وهذا يختلف عمن يريد أن يبني منزلاً سكنياً فقط ثم لا يفكر في شيء بعد ذلك.
ومن وضع له هدف تأليفِ كتاب مثلاً فلا بد له من تحديد موضوعه ثم الاطلاع الأولي على مصادره ثم وضع مخطط له يحتوي على أبوابه وفصوله ومباحثه ومسائلة وأمثلته وغير ذلك.
وينبغي عند وضع خطة تحقيق الهدف مراعاة أن تكون عملية مرنة منطقية كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في مبحث لاحق.
7- بعد إنجاز الخطة وتوفير الاحتياجات وتحديد زمن التنفيذ يكون التنفيذ للخطة من أجل الوصول للهدف وتحدد جهة التنفيذ وجهة الإشراف ومعيار قياس التقدم نحو الهدف وقد تكون جهة التنفيذ هي جهة الإشراف، وسيواجه الإنسان أثناء تقدمه نحو هدفه كثيراً من العقبات التي قد تستدعي منه تعديل بعض خططه والنظر في الأهداف المرحلية التي توصله للهدف الرئيسي من العملية كلها.
ولا بد أن يكون المناط به تنفيذ العمل مؤمناً به إيماناً جازماً ، وأن يعقد العزم على الوصول إليه بلا أدنى تردد، وأن يعقد العزم على أنه المسئول عن تحقيقه لا غيره وإلاّ فالفشل هو مصير العمل لتحقيق الهدف.
8- يجب أن يكون الهدف الذي تسعى لتحقيقه هدفاً محتاجاً إليه وأولى من غيره بالعمل.
فقد يكون الإنسان يسعى لأهداف تتوفر بيها جميع الشروع السابقة لكنه لا يحتاج إليها بل حاجته لأهداف أخرى أكثر إلحاحاً كمن يريد أن يعدَّ له استراحة يقيم فيها أسبوعياً في إجازة نصف العام وهو لم يبني منزلاً سكنياً يقيم في طوال العام.
وهذا اختلال في الأوليات عنده حيث يقدم ما حقه التأخير ويؤخر ما حققه التقديم، وربَّما تمادى الحال بمن هذه صفته إلى أن يقضي حياته في توافه الأمور وصغارها بينما كان يُمكن أن يعمل غير ذلك ويترك أثر بل آثاراً يناله نفعها وينال غيره في الدنيا والآخرة.
وهذا يقودنا إلى الإشارة إلى قضية أخرى وهي أن الإنسان لا يد أن يكون في تحديد أهدافه والسعي لتحقيقها صاحب طموح ونفس توَّاقه لمعالي الأمور، فالحياة محدودة والفرص قد لا تتكرر، ومن قضى أوقاته ومضت حياته في الاشتغال بتوافه الحياة وصغارها عاش في قاعها، ولم يتسنى له الرقي إلى ذراها وقممها.
فمثلاً إنسان يتمتع بذكاء عال جداً ويتخرج من الثانوية بتقدير ممتاز ولديه قدرات أن يواصل دراسته حتى يحصل على شهادة الدكتوراه لكنه يرضى بما تحقق له في الثانوية ويبحث له عن وظيفة محددة، هذا قد قتل قدراته ووأد إمكاناته ، والسبب أن أهدافه متواضعة، وطموحه محدود.
وإنسان آخر يقضي أوقاته في اللهو والبطالة ومجالسة الكسالي والفارغين، ولو قضى هذه الأوقات في عبادة ربه من صلاة وقراءة وذكر وسعي على الأرملة والمساكين والتميم، وفي مزاولة حرفة واكتساب رزق حلال لكان حاله غير حالة لكنه عدم الطموح والرضى بالدون ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ …).
9- إذا حددت هدفك العام وتوافرت فيه المواصفات والشروط المتقدمة، فالواجب عليك أن تجزىء هذا الهدف العام إلى أهداف جزئية مرحلية صغيرة لكما تحقق هدف منها اقتربت أكثر نحو استكمال هدفك حتى يتم تحقيقه باستكمال تحقيق الأهداف المرحلية الصغرى، وهذا يستدعي منك تقسيم هدفك الرئيسي العام إلى أهداف مرحلية صغرى أن تحدد الخطوات العملية التي يتم من خلالها تحقيق كل هدف مرحلي على حدى.
فمثلاً من أراد أن يؤلف كتاباً في فن معين في موضوع محدد يلزمه لتحقيق ذلك عدد من الأهداف المرحلية وهي :
1- وضع مخطط للكتاب.
2- حصر مصادرة ومراجعة.
3- كتابته وإعداده.
4- نشره وطباعته.
وكل هدف من هذه الأهداف المرحلية يحتاج لعدة خطوات عملية لتحقيقه.
فمثلاً هدف وضع مخطط الكتاب يحتاج للخطوات الآتية:-
1- أن يطلع على الأبحاث السابقة في الموضوع نفسه.
2- أن يسجل ما يلقاه من مباحث ومسائل مما له علاقة بموضوعه.
3- أن يطلع على الكتب المتخصصة في طرائق البحث ويسجل ما له علاقة بموضوعه.
4- أن يجمع شتات ما كتبه وينسقه وينظمه ويصيغه.
5- أن يعرض ما كتبه من مخطط على بعض المتخصصين في هذا الفن ممن هم أعلم منه بذلك.
6- أن يستفيد من ملحوظاتهم وتوجيهاتهم ويعد مخطط كتابه على الصورة النهائية.
وهدف حصر مصادر ومراجع الكتاب يحتاج منه إلى الخطوات الآتية:
1- أن يقوم بالبحث والتفتيش في مكتبته الخاصة ويسجل ما له علاقة ببحثه من المصادر.
2- أن يقوم بزيارة أكبر قدر ممكن من المكتبات التجارية للبحث فيها وشراء ما يحتاجه منها.
3- أن يطلع على موجودات المكتبات العامة وفهارسها ويسجل ويحصر ما له علاقة بكتابه.
4- يقوم بزيارة المكتبات الخاصة لزملائه وأصدقائه ويبحث فيها ويستعير ما له علاقة ببحثه.
5- يطالع فهارس المصادر في الأبحاث المشابهة ويسجل ما له علاقة ببحثه.
6- يبحث في فهارس دور النشر والرسائل الجامعية فقد يجد ما يصلح مصدراً لكتابه.
ثم ينتقل للهدف المرحلي الثالث وهو كتابه المؤلف وإعداده، وله أيضاً خطوات عملية تؤدي إليه.
ثم ينتقل للهدف المرحلي الرابع وهو طباعة الكتاب ونشره ، وله أيضاً خطوات عملية تؤدي إليه.
وقد آثرت عدم ذكر الخطوات العملية لهذين الهدفين اختصاراً واكتفاءاً بالتمثيل بما تقدم، فإذا تحققت الأربعة الأهداف المرحلية من خلال خطواتها العملية فقد وصلت لهدفك الرئيسي في الموضوع وهو تأليف كتاب في موضوع محدد في علم من العلوم.
ومما ينبغي ملاحظته في الأهداف المرحلية والخطوات العملية المؤدية إليها أن يكون لكل خطوة بديل أو أكثر بحيث لو لم تتمكن من هذه الخطوة لحاولت التقدم عن طريق البديل الآخر لها، بل لو رأيت أن الهدف العام لا يمكن تحقيقه فليكن لك أهدفا بديلة تستثمر في تحقيقها ما بذلت من جهد.
فمثلاً لو رأيت أن الموضوع كُتب فيه ولم تطلع على ذلك إلاّ بعد البحث والعمل والتعب، أو ظهر لك أن المعلومات المتوافرة لا تكفي لتأليف كتاب فيمكنك حينئذٍ أن تستعيض عن ذلك بكتابة مقال أو بحث علمي حول الموضوع في إحدى الدوريات المتخصصة.
وهذا المثال الذي أسهبت في بيانه بعض الشيء يمكن أن يطبق على أي هدف تسعى له في الحياة ولكن بالصورة المناسبة له.
10- من عوامل النجاح في تحقيق الأهداف أن يكتم أمرها وأمر السعي والعمل لتحقيقها عمن لا حاجة إلى علمه بها، وكما ورد في الأثر ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)، ومن عجز عن حفظ سره فلا يلوم غيره إذا أفشاه، وكم من الأهداف ضاعت وفشل في تحقيقها أو سرقت بسبب إفشاء أسرارها عن أصحابها.